ثقافة ( الاستقالة)

ثلاثاء, 11/06/2019 - 14:36
عبدو سيدي محمد

الاستقالة من الأساليب المدنية الراقية والحضارية للاعتذار عن التقصير و تحمل المسؤولية الأخلاقية عن ما حصل، ويحظى المستقلون بقدر كبير من الاحترام و تثمين المواقف، فأحيانا الاستقالة شهادة ( براءة ذمة) من الفعل الذي وقع وهي تعبير معنوي اعتباري تضامني مع ذوي الضحايا. 
الاستقالة ليست ضعفا و نقصا بل قوة وقمة وعي من حيث الشعور و الإحساس بالمسؤولية.
لم أرى منظرا أجمل و لا أصدق من رئيسة دولة تذرف الدموع  ندما و اعتذارا للشعب لأنها خانت الأمانة و وظفت صديقتها في مكتبها الرئاسي، لقد استقالت من منصبها وتم الحكم عليها بالسجن لمدة شهور بتهمة خيانة الأمانة و استغلال النفوذ.
منظر آخر من مناظر التمدن و المدنية، شابة حسناء اوروبية تقدم استقالتها لأنها اضطرت إلى  أخذ كوبون بقيمة سبعة يورو لملء خزان سيارتها الخاصة وهو مخصص لسيارة الخدمة العمومية، و رغم أنها أعادت المبلغ إلى الخزينة العامة إلا ان ذلك لم يثنها عن عزيمة المغادرة. 
المناظر كثيرة و متعددة و لا يخلو منها بلد مزدهر و متطور ولديه طابع مدني يقدر السلوك و الأفعال و التصرفات، و لا غريب ان نرى حكومات و رؤوساء و شخصيات سامية رسمية و عمومية تستقيل احتجاجا أو اعتذارا  أو الأثنين معا 
لكن هنا في الكوكب البرزخي (الأدخن) لا وجود في قاموسه العام و الخاص أو ضمن معاجم اللغة التي يصنف فيها ببلاد المليون شاعر ( بالحساب القديم)، قلت لا توجد كلمات او مصطلحات من قبيل (اعتذار) أو ( استقالة)، لأنها تعتبر من مظاهر الضعف و الاعتراف بالذنب والتقصير، و هذه صفات لا تجوز في حق السلطات و المسؤولين ( الأتقياء).
إذا افترضنا جدلا أننا في قمة التمدن والتحضر و الإحساس بالمسؤولية، فلا حكومة تدوم و لا رئيس يبقى فالمشهد الوطني زاخر بأسباب و دواعي الاستقالة و المحاكمة التي تفضي إلى الإعدام لا إلى السجن و التعزير.
يموت عشرات و مئات المواطنين تحت أنقاض آبار الحفر بحثا عن الذهب وفي حوادث الطرقات المتهالكة و في المستشفيات جراء الأخطاء الطبية و في المدن بسبب اللصوص و قطاع الطرق لكن لا يجرؤ أي كائن عن الحديث و لو سرا او همسا و لو بأضعف الإيمان عن نية الاستقالة او الاعتذار 
فلماذا لا يعتذر المسؤولون الحكوميون عن هفواتهم و أغلاطهم و مغالطاتهم للشعب عبر صفقات التراضي و المشاريع الوهمية المشبوهة و الصناديق السوداء و سهرات البذخ و تبذير المال العام؟ 
لماذا لا يستقيل البرلمان احتجاجا و تنديدا بتصريحات رئيسه الذي اعتبر وفاة ثلاثة اطفال أبرياء عطشا في عصر القرن 21  أمرا عاديا بينما دخل طاقم المستشفى العسكري حالة الطوارئ لإنقاذ السيد ولد بايه و نقله عبر طائرة إسعاف خاصة لتلقي العلاج في فرنسا و هو أمر عادي بقياس الملياردير ؟!
خلاصة القول نحن شعب (جلف) و غليظ و لا نعتذر، و هو الأمر الذي جعل موضوع الاستقالة من سابع المستحيلات لسبب وحيد هو أننا نبدع في صناعة التماثيل عبر سياسة التفخيم و التضخيم ليس فقط  لشخص المسؤول و لكن أيضا للفواتير و تبعاتها، و بالتالي أي استقالة أو اعتذار هو من باب الضمير الحي و الندم و الاستفاقة وهي عوامل أو عناصر لا تعيش بين جنبات و مكاتب الحكومة

عبدو سيدي محمد