الرئيس القادم هو فقط الرئيس الخادم ...

اثنين, 10/06/2019 - 02:01

يتحلى شعبنا بصبر أيوب في مواجهة كل المحن والمعاناة التي يعرفها منذ الاستقلال، والتي لم تعمل الأنظمة المتعاقبة على إيجاد حلول جذرية لها، خاصة مع بدء استغلال الثروات المعدنية والطبيعية، باستثناء ما قام به نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي نجح بشكل كبير في عدة مجالات مثل البنية التحتية الصحية والطرقية والعمرانية وفي مجالات الطاقة والماء والكهرباء، فيما فشل في جوانب أخرى وبشكل كبير، إلا أن ذلك برأيي يرجع لمن أحاطوا به من مفسدين وانتهازيين ومرتزقة بعد سنتين من العمل الدؤوب والبناء الجاد ليتمكن هؤلاء من إعادة جلد الشعب مجددا وإذاقته الأمرَين حين بدأ يستشعر مواطنته ودفء وطنه، لتعود حليمة ....

صحيح أن نُخب النفاق والتملق لا تتطلع إلى بناء دولة قانون ومؤسسات في بلدنا، لأنها مثل البكتيريا الضارة لا تنمو وتنتعش إلا في بيئة مريضة، ولا يمكن أن تجد ذواتها في مناخ سليم، لذلك تعمل باستمرار على إقناع القائد (كل قائد) بسلامة نهجها حتى يحيد عن نهجه ويتخلى عن قناعاته ليسير في نهجها وينفذ سياساتها.

شعبنا اليوم، وهو "يمتلك" ثروات هائلة بدءا بالحديد والذهب والنحاس والسمك والنفط والغاز والثروة الحيوانية الأكبر في الوطن العربي والزراعة، مقبل على اختيار رئيس جديد للجمهورية يتطلع المواطن العادي إلى أن يكون رئيسا خادما لا ملكا يعيش في برج عاجي محاطا بأولئك المتملقين الطفيليين المرتزقة.

وبرأي فإن الشعب سيصوت في جانب كبير منه وفق البرامج الانتخابية المعلنة ولن تهمه كثيرا تلك "الهالات" التي قد يحيط بها بعض المترحشين أنفسهم، لأنه يتطلع إلى رخائه وأمنه واستقراره، ويتطلع إلى دولة العدل والقانون والمواطنة، دولة القانون والمؤسسات، وقد مل من أنظمة الملكية المقنعة وسياسات التأليه والتبجيل للقادة الذين هم في النهاية مواطنون أوصلتهم أصوات غالبية الشعب إلى مناصبهم لخدمة البلد وتطلعات الجماهير وليس لغير ذلك.

ولا شك أن النخب الوطنية النظيفة تشعر بالغثيان كلما قرأت أو سمعت أو شاهدت أساليب نفاق أولئك الطفيليين الذين يتحكمون اليوم في مصير الشعب والبلد بخبرتهم في التلون والحربائية، إلا أنه من المؤكد أن أغلب المرشحين لا يفوتهم خطر أولئك ومآربهم، وسيعملون، إن كانوا فعلا ترشحوا لخدمة الشعب وليس لخدمة أنفسهم ومحيطهم الخاص، على التخلص من أولئك المفسدين الذين هم الخطر الحقيقي على مصالح الشعب وعلى مستقبل البلد وعلى سمعة موريتانيا في الداخل والخارج، والاستعاضة عنهم بنخب وطنية مقتنعة بالمواطنة وبدولة القانون والمؤسسات وإرساء أسس العدالة وإطلاق تنمية شاملة.

صحيح أن مستوى النضج السياسي لدى العامة ليس كبيرا بما يكفي لإحداث التغييرات الجذرية في السلوك التسييري للقادة، وفي آلية التعاطي مع الشأن العام، لكن الكثيرين بدأوا يدركون أنهم هم وحدهم من يمنح ثقته لفلان أو علان، وبدون تزكيتهم لن يصل إلى مراكز صنع القرار، وهو ما يعني أن علينا جميعا تعبئة الجماهير لإدراك خطورة تزكية من لا يستحقون ومن لا يملكون إرادة البناء والتنمية المنشودة، وهو أمر ستحاربه جيوش المفسدين الذين تموقعوا هنا وهناك حتى لا يكون بالإمكان تجاوزهم.

إننا كشعب، لا منَة لأحد علينا في وطننا وفي ثرواتنا، مدعوون لاختيار رئيس خادم، يكون همه الأول والأخير هو خدمة مصالح الشعب وبناء دولة حديثة، يصون وحدتها ويحمي حدودها وكرامتها واستقلال قراراتها السياسية ومواقفها السيادية فلا يرهنها لأي من الأقطاب الإقليمية أو الدولية تحت أية ذريعة مهما كانت، بل يتبنى مواقف مستقلة تمثل وتعكس إرادة الشعب وتطلعاته ومصالحه، لا إرادة الدوحة أو الرياض أو دبي أو انقره أو واشنطن أو باريس مثلا، وإنما تجسد إرادة شعبنا العربي الإفريقي المسلم في أصالته ونقائه وطهره.

إننا، حتما، لن نزكي من لا يلبي تطلعاتنا وطموحنا المشروع في إرساء أسس دولة قانون ومؤسسات ذات سيادة يسودها العدل وتزينها المساواة وتقضي على الفساد والمفسدين مهما كان نفوذهم ومهما كانت مواقعهم، ويحاسب كل من تجاوزوا كثيرا في نهب ثروات شعبنا وحولوه إلى سخرة وعبيد للحاجة وللفقر والمرض وما أكثرهم.

لن نزكي من يريد الفقراء ديكورا لإنسانيته المزيفة بينما يعيش هو في بحبوحة من العيش

ولن نزكي من لا يسعى جاهدا لانتشالنا من الفقر ونحن أغنى بلد بثرواته الهائلة وبسكانه الأقل من أربعة ملايين نسمة، ليواصل التسول باسمنا هنا وهناك ونحن من يفترض فيه أن يعطي.

إننا بحاجة إلى رئيس مواطن ووطني يستشعر، بصدق انتمائه وغيرته على سمعة موريتانيا، الحالة المؤلمة التي يعيشها الشعب والوطن والتي لا مبرر لها سوى وجود أولئك المفسدين المتموقعين في كل المراكز الحيوية بينما مواقعهم الطبيعية هي السجون، فهؤلاء هم من أوصلوا بلدنا إلى وضعه الراهن وهم سبب حرمان شعبنا وشقائه، وما لم نتخلص منهم فلن نتقدم خطوة في اتجاه التنمية المنشودة مهما كانت قوة إرادة البناء لدى الساسة.

وبرأيي، لو سخر الله لنا ساسة كساسة جيل الاستقلال، مع ما يحظى به بلدنا من ثروات كبيرة، فسنعيش رخاء غير مسبوق ونتمتع بدولة عدل وقانون وبسيادة حقيقية غير قابلة للمساومة ترفع رؤوس الجميع وتعيد لنا الهيبة والاعتبار.

أعزك الله يا وطني

أحمد ولد مولاي امحمد