العدل "أساس التنمية"... بقلم: أحمد ولد مولاي امحمد

أحد, 28/04/2019 - 14:20

كل بلد يستتب فيه العدل ويتفيأ مواطنوه ظلال المساواة والإنصاف الوارفة، يظل غاية كل مواطنيه الغيورين على مستقبله وأجياله اللاحقة، لأن استتباب العدل والإنصاف ليس فقط مطلبا آنيا للأفراد وللشعوب، وإنما هو هدف نبيل وغاية سامية تطمح لها النفس البشرية وتسهم بفعلها الإيجابي في إثراء وتسريع وتيرة عملية التنمية الشاملة.

وإذا كان في المأثور أن "العدل أساسُ المُلك"، فإنه في الواقع هو أساس تنمية وبناء الدول ورقي الشعوب ورفاهيتها، وبه وحده يمكن النهوض بالدول الفقيرة والشعوب المتخلفة، وبواسطته تمحى الفوارق والميز ليتمكن الفرد من أداء دوره وواجباته اتجاه وطنه وأمته.
وحين يجد المواطن، في وطن ما، وأيا كان موقعه، أنه في كيان ينصفه ويحترم له مكانته، فإنه لن يتردد لحظة في الدفاع عن هذا الكيان والموت في سبيل بقائه، أما حين لا يجد هذا المواطن، أيا كانت صفته، أنه لا يوجد ما يجعله يستشعر الانتماء لوطنه فإن انعكاسات ذلك عليه وعلى وطنه ستكون في غاية الخطورة، وهو ما تتجنبه الأنظمة والحكومات الرشيدة.
فالذين يعانون الظلم والغبن بين أهليهم وفي أوطانهم، قد لا يرددون بالضرورة مقولة الشاعر: 
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة 
وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام
خاصة حين يكون مصدر الظلم والغبن تغييب النظم القانونية وممارسات الإدارة والقضاء والجهات التي يفترض أنها أول من يضرب المثل في تطبيق القانون واحترام النظم.
وبفعل الظلم واستشرائه تضيع الشعوب وتتعثر عملية التنمية، ويضيع الانتماء الوطني للفرد وللمجتمع، إذ لا مبرر لأن نخدم وطنا نتألم فيه ونعاني أنواع الحيف والغبن، الذي يمارسه علينا مواطنون مثلنا من مسؤولين وغيرهم.
ولنتصور معا أن مواطنين في مرفق عمومي واحد يتم التعاطي معهم بأساليب وطرق متفاوتة لمجرد أن بعضهم يقرب لأحد أو بعض كبار المسؤولين أو غيرهم، بينما الأقل حظوة والأكثر عرضة للظلم والغبن هم أولئك الذين ليسوا أقارب لأحد هؤلاء المسؤولين، فيحرمون من جُلّ حقوقهم أو كلها، بينما يحصل الآخرون على ما يفوق حقوقهم الطبيعية لأن "مواطنتهم كاملة غير منقوصة" بفعل تأثير نفوذ من يدافع عنهم ويحميهم من أصحاب الحظوة والنفوذ؟!.
إن الفرد في أي مجتمع، لا يستطيع أن يؤدي دورا فاعلا وإيجابيا في عملية البناء الشاملة حين يكون في وضعية غير مريحة أحرى إذا كان يعاني من الظلم، فمثله قد لا يتردد في الانتقام من ظالميه أفرادا ومسؤولين وأحيانا من وطنه ذاته. لذلك فإن القول بأن العدل أساس البناء والتنمية ليس تجاوزا ولا مبالغة في القول والوصف.
وما أكثر صور الظلم وألوانه في بلدنا الذي عانى مواطنوه كثيرا في انتظار الخلاص، وهي صور ومشاهد نراها في الممارسات اليومية في المكاتب وفي مختلف القطاعات العمومية وشبه العمومية والخاصة وحتى في الشارع وفي الأماكن العامة، يصنعها أصحابها لأنهم محميون من قبل أصحاب النفوذ من كبار المسؤولين الذين لا يراعون قيم المواطنة ولا يستوعبون معانيها السامية ودلالاتها، وإنما مصالحهم الآنية الأنانية.
وكم هو خطير أن يستمر هذا الظلم ولا يجد من يكبحه، كونه يشكل أكبر خطر على مصير الدول والشعوب. وعلى دور الأفراد وأدائهم في عملية البناء الوطني.
ولا شك أن أي حاكم يريد بناء هذا البلد سيجعل من إرساء أسس العدل والإنصاف قواعد أولى للبناء والتنمية، لأن ذلك قمين بأن يجعلنا جميعا مساهمين في هذا العمل الجليل الذي لا يمكن أن يتم بمعزل عن مشاركة كل أبناء البلد.
إن الأعناق تشرئب إلى صناع القرار، في كل مرحلة من عمر الدولة، من أجل وضع حد لكافة أنواع المظالم التي يمكن وصفها بالمزمنة حتى نزرع الأمل والتفاؤل في نفوس مواطنينا بإشراقة غد أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بالجد والمثابرة والإصرار على سيادة العدل والإنصاف وتطبيق القانون بكل صرامة، بما يكبح جماح الحيف والظلم في ربوع بلاد المرابطين أرض المنارة والرباط.

 
منشور في زاوية "منتدى الشعب" بيومية الشعب نقلا عن موقع الوكالة الموريتانية للانباء بتاريخ 01/12/2010