لهذه الأسباب يجب أن يحسن الموريتانيون الاختيار

ثلاثاء, 26/02/2019 - 20:35
الوزير الاول الاسبق ولد بوبكر مع الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات

يعيش الموريتانيون هذه الأيام وضعا غير مسبوق، بفعل المتاهات والإغراءات، التي وضعت أمامهم، بهدف خلق تداخل في الصور وتشابه بين المتناقضات، حتى يسهل "تسخيرهم" كالقطيع لصالح قوى متحكمة، تحركها مصالح ذاتية وغرائز شهوانية، لا تقيم للوطن اعتبارا ولم تدخل في قاموسها خيارات، الإصلاح والبناء والأمن الاجتماعي.

هذه القوى عملت منذ فترة طويلة وتعمل اليوم بجد، من أجل أن لا يمتلك الشعب الموريتاني خياره، وأن لا يعي مصالحه الحقيقية، فكرست له إعلاما، لا هم له، سوى نشر الشائعات، لا يتحرى الحقيقة وينفر من الشفافية.. واستعانت برجال أعمال كدسوا ثرواتهم، بفعل الزبونية والصفقات المشبوهة، وقدمت لهم ساسة، همهم الوحيد، هو: الحصول على جزء من المال الحرام، ونهب ما استؤمنوا عليه من ميزانيات وموارد الشعب، نفوذهم مكرس للسطو على فرص أبناء الفقراء المتفوقين في الدراسة والمتمتعين بكفاءات، تؤهلم ليكونوا هم الآمرون وليسوا مأمورين.

كل هذا يجري أمامنا يوميا ويكرس في واقعنا عمليا، دون أن يهابنا الفاعلون، أو يحسبون لنا حسابا، لأن الموريتانيين في نظرهم، مجرد قطيع لا يصلحه غير العصا الغليظة والنبرة الزاجرة، الشيء الذي شجعهم على التمادي في غيهم والانصياع لغرائزهم المريضة.

* فبعد أن "شبع" ولد عبد العزيز من السلطة وكدس ثروات هائلة على حساب الشعب وأجياله اللاحقة، نلاحظ تدافع نفس الجوقة المتزلفة باتجاه مرشحه الشريك له في الماضي والذي ارتضاه أن يكون له كذلك في المستقبل، دون أن نتساءل، لماذا اختاره، ولما ذا نركض نحن باتجاهه، وهل  هو مختلف عن ولد عبد العزيز أم أنه مجرد صورة طبق الأصل لزميله، وقد يصبح ظلا له.

 فقط لأننا قطيع يساق، ها نحن نتسابق نحو خيار لا نعرف الأيادي الداخلية والخارجية التي حاكته، ولا الخيوط التي تحركه، متناسين نزع صلاحية الإشراف على تقاسم الإنتاج من البرلمان لصالح رأس السلطة التنفيذية، منذ الأيام الأولى للعهد الحالي الذي يسعى إلى تأبيد نهجه، والكفيل- في حال استمراره- بالقضاء على آمال الموريتانيين العريضة المتمحورة حول الإكتشافات الغازية والنفطية في بلدهم.

* في حين نلاحظ حركة خجولة للوزير الأول الأسبق: السيد مولاي ولد محمد الأقظف، الذي يبدو أنه لا يرغب في قطع شعرة معاوية مع رئيس يرى أنه ولي نعمته ولا يرغب عمليا في لعب دور البطل، مكتفيا بالأدوار الثانوية والاحتياطية، الشيء الذي قد يخرجه من اللعبة عمليا.

يبقى الخيار المتداول هذه الأيام والمتعلق بترشح رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، خيارا غير عملي، قد يكون صداه الإعلامي أكثر من صداه السياسي، لاستحالة خوضه لانتخابات متكافئة في ظل نظام يسعى إلى الوقيعة به وتأبيده في زنزانات السجون.. لهذه الأسباب، ولكونه لن يسلم رقبته لغريمه، ولاستحالة قبول ترشحه، فإنه لا يوجد مسوغ لتقديم تقييم لشخصه ولفرص نجاحه، لاستحالة ترشحه في ظل الظروف والشروط الحالية.

أما الوزير الأول الأسبق، السيد سيدي محمد ولد ببكر، فهو مرشح جدي يخافه النظام وترتعد منه فرائصه، لكون الرجل تكنوقراطي بالأساس، امتلك خبرة متنوعة وعميقة، خدم بلده في ظل أنظمة متعددة، لكنه لم يك فاسدا ولم يكدس ثروات، عكس الواجهتين المنصرفة وهذه الحالية المرشحة، فقد كانا خداما يحميان نظام معاوية بالسلاح والخطط، وشكلا شوكة في حلق خصومه.. في حين كان السيد سيدي محمد ولد ببكر موظفا أهلته كفاءته، ليكون أصغر وزير أول في العالم سنا، دون أن يجعله ذلك متعاليا على الشعب، حيث جلس بعدها مع العامة على فراش واحد وهو الوزير الأول السابق، وأكل مع العامة في إناء واحد وهو الوزير الأول السابق، فكانت كفاءته هي التي خولته ولوج مختلف مرافق الدولة المالية والتنفيذية، والاستعانة به سفيرا لبلاده في دول أوروبية مؤثرة وفي الأمم المتحدة والجامعة العربية، حيث خدم بلده وخبر آلية عمل الأمم المتحدة والجامعة العربية، فوجد فضاء أظهر مواهبه الأدبية والإنسانية، حيث انبهر أعضاء النادي الشعري الذي أسسه مع زملائه السفراء العرب بفحولة شعره، وتدفق شاعريته ورقة أسلوبه.. رحلة جعلته يكتسب معارف وتخصصات متعددة، بفعل إتقانه لأربع لغات عالمية، هي العربية- الفرنسية- الانجليزية- الاسبانية.

فرغم احتضان الأنظمة المتعاقبة للرجل وتعيينها له في أرفع المناصب، فقد ظل تكنوقراطيا صرفا، يؤدي عمله بإتقان، انصرف عن جمع الثروة، واتجه نحو تحصيل العلوم والتبحر في اللغات الحية.. مسار عززه الرجل بالاستقامة الشخصية ونظافة اليد، لذا صار إسمه علما، ولم يخفت ذكره بعد الوظيفة- كغيره من الأشخاص الذين تعاقبوا معه على نفس الوظائف التي شغلها والملفات التي أدارها، لذا شاع ذكره وجهل الناس آخرين، شغلوا نفس الوظائف وتبوأوا نفس المكانة.

مكانة الرجل وصدقيته، دفعت النظام إلى استهدافه بالشائعات والتذكير بمناصب شغلها في عهد معاوية واعل وانتدابه داخل السلك الديبلوماسي خلال فترة ولد عبد العزيز، دون أن يتساءلوا هم أنفسهم أين كانوا في عهد معاوية وهل همشوا في عهد اعل ولد محمد فال، وهل يمكنهم التبرأ من عهدتي الرئيس محمد ولد عبد العزيز؟

إنها سفسطة، تسعى إلى النيل من الرجل من خلال محطات، لطالما فاخروا هم أنفسهم بها، وجنوا في ظلها الأموال الطائلة وحصدوا النياشين الرفيعة، في حين كرس سيدي محمد ولد ببكر النموذج في السلوك والأخلاق وخرج من جميع المراحل والوظائف، دون أن تتبعه دسيسه أو يفرط في حق وطني، أو يجامل على حساب المصالح العليا للبلد.

فإذا كان الموريتانيون يريدون حقا الخروج من ضائقة الفساد وإفرازاته الخطرة ومن ذل التبعية العمياء والعبودية للشهوات والمصالح الذاتية، فليس أمامهم، سوى الالتفاف صفا واحدا وراء السيد سيدي محمد ولد ببكر، فيؤازروا ترشحه لمنصب رئاسة الجمهورية، فهو لا زال سيدي محمد ولد ببكر، الذي جربوه جيدا وعرفوه صادقا في القول، يفي بالعهد ويعشق الوطن ويجل المواطن، عارفا بالتاريخ، ملما بإكراهات الجغرافيا، تقلب في مختلف الدوائر المالية والتنفيذية، وانشغل طويلا بأعقد ملفات النزاع في الجوار والمنطقة، كما صال وجال، خدمة لبلده في أروقة الأمم المتحدة والجامعة العربية، ومختلف عواصم القرار العالمي.

فهو السياسي المحنك والخبير المجرب والديبلوماسي الفطن والخطيب المفوه والشاعر المفلق.

 أتمنى أن يقف الموريتانيون هذه المرة مع الذات وقفة صادقة، وأن تكون مصلحة البلاد والعباد بديلا عن الأهواء الشخصية والمصالح الضيقة والشرنقات القبلية والجهوية، ليحسنوا الاختيار..

إنه هو الرجل المطمئن للجميع والذي تحتاجه موريتانيا اليوم، وهو الكفيل بوضعها على سكة الإصلاح والبناء- أفضل مما فعل في محطات سابقة.. لأنه سيتصرف حينها وهو رئيسا وليس مرؤوسا كما في السابق.

محمد المصطفى ولد عبد الله