ليبيا بعد ثماني سنوات

ثلاثاء, 26/02/2019 - 01:11

عبد السلام هرشي

كاتب وصحافي تونسي

تسبّب التدخّل الغربي في ليبيا في انتشار السلاح و الميليشيات المسلّحة و انعدام الأمن

سيُحيي الليبيون في 17 فبراير 2019 ذكرى مرور ثماني سنوات على ما يُسمّيه البعض ثورة و ما يُسمّيه البعض الآخر عدوان حلف الناتو على الشعب الليبي. و بغضّ النظر عن اختلاف وجهات النظر في الداخل الليبي حول تقييم فترة الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي حول ما يُسمّيه البعض تدخّلاً في شؤون الدول الأخرى كالتشاد و السودان، وإقحام ليبيا في صراعات دول أخرى مثل تسليح الجيش الايرلندي و هدر الثروة الليبية في تمويل برامج و مساعدات لدول أخرى.

 إلا أن القذافي في عيون البعض الآخر استطاع توحيد ليبيا بالنظر إلى الخليط القَبلي الصعب الذي تحتوي عليه ، و بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستثنائي الذي يُعتبَر حلقة الوصل بين الشرق الأوسط و المغرب العربي و إفريقيا السمراء. هدأت المعارك ضد نظام العقيد الليبي ليعلو صوت الرصاص مرة أخرى مُعلناً بداية حرب جديدة على المصالح و النفوذ بين أبناء البلد الواحد، حرب أهلية مضى عليها اليوم أكثر من 5 سنوات أضرّت بالاقتصاد وجعلت ليبيا تعيش أصعب سنواتها.

قياساً على تجارب العالم العربي مع التدخّلات الأجنبية و ما أكثرها، يمكن أن نستخلص أن نتائج أيّ تدخّل أجنبي دائماً ما تكون وخيمة مثلما ما تمّ تدمير العراق من أجل "إرساء الديمقراطية". حلف الناتو أيضاً رأى أنه من الواجب التدخّل لحماية الشعب الليبي من خلال القرار الأممي عدد 1973 و الداعي إلى فرض حظر جوي على الطائرات الليبية ، قبل أن يتجاوز الحلف القرار ليشارك في عمليات القصف ، فأحدث دماراً و خراباً في المدن الليبية، وأكثر المدن التي تضرّرت بُنيتها التحتية هي مدينة سرت. لم تهدأ المعارك في الداخل الليبي بعد مقتل القذافي إلا لتندلع مرة أخرى من أجل الاستحواذ على السلطة . خمس سنوات مرّت و الليبيون يعيشون لهيب الحرب الأهلية، تمزّق بين حكومة في الشرق (الحكومة المؤقتة) وتتبع البرلمان المنعقد في مدينة طبرق (شرق) ، وحكومة في طرابلس (حكومة الوفاق الوطني التي أفرزها اتفاق الصخيرات) وهي التي تحظى بالاعتراف الدّولي ، نهب مخازن الأسلحة (حيث تقول الإحصائيات أن أكثر من 7 ملايين قطعة سلاح منتشرة في ليبيا منذ 2011 ) تسبّب بطريقة مباشرة في تشكّل ميليشيات أخرى عقب الفراغ الأمني وهم مقاتلو مصراتة و مقاتلو الطوارق من دون الحديث عن الميليشيات الأرهابية التي تنتمي إلى تنظيم أنصار الشريعة و التي تمكّن الجيش الليبي من القضاء عليها. هذا الوضع جعل المعارضة التشادية والتي تنتمي إلى قبيلة التبو (قبيلة كبيرة جداً في الجنوب الليبي) تتمركز في الجنوب و تصبح طرفاً في الصراع ، ما دفع عمدة سبها (مدينة في الجنوب الليبي) ، حميد الخيالي إلى الإعلان في غضب عارِم على التلفزيون الليبي إن "القوات الأجنبية تحتل جنوب ليبيا" ،

من جانب آخر ووفقاً لمجلة أفريقايت نيوز وهي مجلة تُعنى بالشأن الليبي ، فإن العديد من العصابات الإجرامية تستفيد من الوضع الفوضوي في ليبيا ، و باتت تطوّر من أساليبها اللصوصية من خلال اختطاف الأشخاص و طلب فِدية مقابل إطلاق سراحهم ، وقد نشرت حكومة طرابلس تقريراً أكّدت فيه أن أكثر من 676 شخصاً قد اختطفتهم العصابات الإجرامية خلال 2017 قتل منهم 74 شخصاً و أطلق سراح 100 شخص مقابل فِدى.

كما تستفيد العصابات الإجرامية من الوضع الفوضوي في ليبيا ، تسعى الدول الغربية أيضاً إلى الاستفادة من الوضع، فليبيا أصبحت موضوعاً لصراع الوساطات بين فرنسا التي تريد بسط سيطرتها على بلد يحتوي على احتياطي ضخم من البترول يعادل الـ 48 مليار برميل ، و بين إيطاليا التي تعتبر ليبيا منطقة نفوذ تقليدية.

اقتصاديا لا تزال أزمة السيولة تعصف بالاقتصاد الليبي منذ سنوات ، حيث تجاوز النقد خارج المصارف ما يقارب 21 مليار دولار ، و لا يزال سعر العملة يهدّد الاقتصاد الوطني بسبب التباين الكبير بين سعر الدينار الليبي الرسمي وسعره في السوق السوداء (1 دولار يبلغ 1.4 دينار ليبي في الدوائر الرسمية و 7 دينارات في السوق السوداء)، هذه الأزمة جعلت المواطن الليبي يعاني الأمرّين و يقف لساعات في طابور طويل أمام البنك المركزي من أجل الحصول على بعض السيولة لقضاء حاجاته الأساسية. في المقابل يتواصل التجميد على أموال الليبيين المجمّدة في البنوك الأوروبية. في الوقت ذاته يسعى العديد من الدول لنهب هذه الأموال ، فقد كشفت لجنة مجلس الأمن المشكّلة بالقرار 1970 سنة 2011 بشأن ليبيا أن بلجيكا عملت على التصرّف بفوائد أموال الليبيين المجمّدة بالخارج مُتذرّعة بكون التجميد لا يشمل الفوائد ، بينما استغلّت كل من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا جزءاً من تلك الأموال استناداً إلى ثغرة قانونية أخرى تتعلّق بالسماح باستخدام هذه الأموال لأغراض إنسانية. كما تسعى أطراف عدّة إلى إعادة إحياء قضية لوكربي رغم تسلّم عائلات الضحايا لتعويضات ضخمة و ذلك من أجل نهب مزيد من الأموال. كما أثّر الانقسام في ليبيا على البنك المركزي حيث انقسم إلى مصرفين: مصرف البيضاء التابع للحكومة المؤقتة و مصرف طرابلس الذي يتبع حكومة الوفاق، و هذا ما يفسّر نوعاً ما أزمة السيولة.

و يعتمد الاقتصاد الليبي بنسبة 95 بالمائة على إيرادات النفط، و تنتج ليبيا حالياً ما يعادل مليون و 100 ألف برميل يومياً بعدما انخفض الإنتاج في 2012 و 2013 إلى ما يقارب 250 ألف برميل ، كما تعاني منذ سنوات العجز في الميزانية وصل إلى 48 بالمائة أي ما يعادل 7.5 مليارات دولار، هذا من دون الحديث عن آفة التهريب التي تُضعِف الاقتصاد الليبي و تُجهِض محاولات تعافي الاقتصاد.

تسبّب التدخّل الغربي في ليبيا في انتشار السلاح و الميليشيات المسلّحة و انعدام الأمن، إضافة إلى تفجير حرب أهلية تدور رُحاها منذ 2013 ، حرب حوّلت الاقتصاد الليبي في حال عجز و صعّبت حياة المواطنين . لكن رغم هذه النتائج الوخيمة التي خلّفها إلا أن دولاً مثل فرنسا و إيطاليا لا تزال تحاول التدخّل من أجل ضمان مصالحها ونفوذها في ليبيا، و بين التدخّل الغربي و الحرب الأهلية تتواصل مُعاناة المواطن الليبي اليومية من أجل الحصول على بعض المواد الأساسية في بلد يحتوي على مليون موظف.