رحيل يربه ولد اسغير.. رجل الأخلاق والكفاءة / محمد الحافظ محم

أربعاء, 18/11/2020 - 16:49
الأستاذ محمد الحافظ محم

توفي مساء الاثنين 16 نوفمبر 2020، في نواكشوط أحد أبرز الأطر الموريتانيين الذين عايشتهم خلال حياتى المهنية، ألا وهو المرحوم يربه ولد اسغير صاحب الأخلاق الفاضلة والكفاءة العالية.

التقيت به قبل أسابيع في مكتبه بمركز دمج القصر المتنازعين مع القانون، الذي هو مؤسسة اجتماعية تابعة لوزارة العدل، عُين عليها مديرا عاما في مايو 2020، بعد توليه إدارة ميناء خليج  الراحة للصيد التقليدي بنواذيبو لأكثر من ثلاث سنوات.

حيثما التقيته، قبل أسابيع، فهمت من حديثه أنه يستعد للرحيل وهو راض عما قدر الله له، وشاكر لنعم الله عليه.. والله تبارك تعالي يقول: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وادخلي جنتي).

ويقولون إن من رضي عن الله تبارك وتعالى، فالله سيرضى عنه لدليل: «راضية مرضية»، ونحن كلنا غايتنا رضى الله.

لقد رحل المرحوم يربه ولد اسغير رحيلا مفاجئا، ولكن هذه هي الدنيا الفانية (ما تزال تسمع فلان مات فلان مات حتي تموت).

والذين يعرفون المرحوم يربه، وأنا منهم، يشهدون له بالاستقامة في دينه وفي عمله، ويشهدون له بحسن الخلق «وأول مايوضع في الميزان حسن الخلق»، ويشهدون له بالسعي إلى إعانة المسلمين وتفريج الكروب عنهم «ومن فرج كربة عن مسلم فرج الله عنه سبعين كربة من كرب يوم القيامة».

وإضافة إلى ذلك أشهد للمرحوم يربه ولد اسغير بأن الإيمان بالله قد دخل شغاف قلبه وامتزج  بكيانه، ولدي على ذلك أكثر من دليل؛ من ذلك قصة رواها لي أنه في عام مضى كان ضمن وفد من الدول العربية والأفريقية لزيارة إحدى الدول الآسيوية، وذهبوا بهم في جولة سياحية إلى  رأس جبل، فيه معابد قديمة للبوذيين وفيها بعض التماثيل، وحينما دخل هو فاجأه حال شديد وخرج مسرعا وهو يبكي بكاء شديدا، التحق به المنظمون وبعض من أعضاء الوفود يسألونه، وبصعوبة أجابهم بأنه يخاف الله أن يقبض روحه وهو أمام هذه الأصنام..

وكنت أقول له إن أحواله هذه مثل أحوالنا نحن الصوفية، ولم يكن رحمه لله ينفى ذلك.

تعرفت على المرحوم يربه ولد اسغير سنة 2011، حينما عين مديرا عاماً للوكالة الموريتانية للأنباء، ولم تكن لدي به سابق معرفة في العمل، ولقد انسجمت معه بسرعة (فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

وأعجبني فيه صبره، ورزانته، وبُعد نظره، فحينما عين مديرا عاما للوكالة الموريتانية للأنباء  بقي فيها عدة أشهر لم يجر أي تعديل في هيكلتها الإدارية، ولم يعين أي مسؤول جديد، حتى يدرس الوضع.. وبعد ذلك أجرى التغييرات وهو على بصيرة أمره.. وهذا السلوك نادر في مسؤولي مؤسساتنا.

المرحوم يربه ولد اسغير من مواليد حوالي 1963م في تكانت، أستاذ ثانوية، كاتب بارع في اللغة الفرنسية وحائز على بعض الجوائز في الكتابة بهذه اللغة، وكاتب باللغة العربية، متميز في كتابة التقارير الإدارية، مارس التدريس، وعمل فترة في سفارتنا بليبيا، ومنذ التسعينيات التحق بوزارة الإعلام كمستشار ثم كمدير للسمعيات البصريات، ثم مديرا عاما للوكالة الموريتانية للأنباء، وعين في الفصل الأول من سنة 2016م مديرا عاما لميناء خليج الراحة بنواذيبو، وقبل أشهر (مايو 2020) عين مديرا عاما لمركز دمج القصر المتنازعين مع القانون، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن وافاه الأجل المحتوم مساء الاثنين 16 نوفمبر2020م.

شغل مناصب سامية في عدة أحزاب سياسية منها كاتب تنفيذي في الاتحاد من أجل الجمهورية.

أعزي فيه الأسرة الكريمة وكل أهل النيملان، وأهل تكانت وكل أصدقائه ومعارفه.

رحم الله يربه ولد اسغير رحمة واسعة، وبارك في عياله وألهم الله ذويه وأصدقائه الصبر والسلوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون

محمد الحافظ بن محم