في الذكري الثامنة للرصاصة الصديقة... هل يصل خلاف المحمّدين إلى كشف المستور ؟

ثلاثاء, 13/10/2020 - 17:18

في الذكري الثامنة لما اصطلح على تسميته بالرصاصة الصديقة تتجدد الأسئلة وتنبعث من جديد بفرضياتها الكثيرة وحكاياتها المتعددة دون أن يلوح في الأفق أي جديد يستأنس إليه من دليل .

إلا أن المؤكد أن تلك الرصاصة أصابت النظام إصابة بالغة تجاوزت موضعها إلي الجسم السياسي كله ووصلت شظاياها إلى المعارضة مصداقية في المعلومات وتعاطيا مع الشأن العام في الظروف الصعبة ما يجعل الحديث عنها في كل ذكري مهما علّه ينفض الغبار عن لحظة مهمة من تاريخ الوطن أصابت شخصه الأول وكانت تبعاته قوية وهزاته ماحقة لعلاقات نسجت لسنوات .

بداية المشهد

مساء 11 /10/2012 شهد محيط المستشفى العسكري حراكا غير مسبوق؛ استدعي طاقم طبي استعجالي، قبل أن تتوقف سيارة صغيرة وينزل منها رجل يرتدي فوقية مغربية أعادت الدماء صبغها بلون أحمر قان ويمشي وئيدا وبخطوات مثقلة نحو باب من أبواب المستشفي.

دخل الرجل القاعة ماشيا في مشهد تابعه بحيرة بعض الحضور والأطباء قبل أن يبدأ إسعافه بشكل مستعجل بعد تأكدهم أنه هو الرئيس محمد ولد عبد العزيز بشحمه ولحمه ويتم تشكل فريق طبي رفيع، من بين أعضائه الدكتور محمد ولد أبو مدين والطبيب كان وزير الصحة السابق وتمت الاستعانة ولو عن بعد بآخرين من ضمنهم الدكتور أوتوما سوماري .

  لاحقا تم إبعاد الضابط ولد أبو مدين الذي عبر عن شيء من عدم التفاؤل تجاه الجرح الغائر الذي يمتد من خاصرة الرئيس  إلى أسفل، و بسرعة سرى الخبر سريان النار في الهشيم ورابط الإعلاميون وعشرات الأفراد من مقربي وأقارب الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

داخل الغرفة وأمامها يمشي الفريق الأول الجنرال محمد ولد الشيخ ولد الغزواني الرئيس الحالي بخطوات تعبر عن الحيرة والصدمة رفقة الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف وبعض أفراد الأسرة .

في المستشفي العسكري وبعد اتصالات من طرف جهات مقربة من الرئيس حضر العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو قبل الساعة صفر للطمأنة على وضع الرئيس وقراءة القرآن عليه والدعاء له بالشفاء واستمرت زيارته للرئيس السابق أكثر من ربع ساعة .

أغلق المستشفي بشكل كامل ورابطت وحدات من الأمن عند مداخله ومنع أي كان من الدخول إليه حتي بعد تأكيد إصابة الرئيس والتي أصبح السؤال عن سببها على شفاه الجميع وخاصة بعد التأكد من قوتها .

ظهور الرئيس

في صباح اليوم الموالي تحدث الرئيس من تحت ملاءة بيضاء تغطي جسمه، ويظهر منها وجهه الذي بدا شاحبا بعد أن تعرض ليلتها لعدة عمليات جراحية، لطمئن المواطنين على صحته، ويخبرهم بأن السبب هو رصاصة صديقة من جندي أطلق النار سهوا على الموكب الرئاسي في منطقة اطويلة، حيث كان الموكب عائدا من المنتزه الرئاسي في بنشاب على طريق غير معبّد.

تقع اطويلة على بعد 20 كلم شمالي نواكشوط وقد ظلت لسنوات طويلة منزلا خاصا للعالم الموريتاني المشهور المرابط محمذن فال بن متالي حيث أقام عندها 20 سنة رفقة طلابه، وبها مقابر بعض أبنائه، حيث تمثل مزارا لمريدي الشيخ المذكور، كما توجد قربها أيضا حامية عسكرية تابعة لسلاح الجو.

غادر الرئيس إلى فرنسا للعلاج بعد أن رفض بشكل قاطع عرضا مغربيا لعلاجه في مستشفياتها، فقد كان شبح كاميرا داديس لا يزال مطلا في الأذهان.

نقل الرئيس إلى مستشفى بيرسي التخصصي في فرنسا حيث تلقى علاجا نوعيا لفترة طويلة، أدار خلالها الحكم بشكل قوي الفريق الأول محمد ولد الغزواني، فيما كان الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف يحاول بين الحين والآخر إظهار وجوده كوزير أول في غياب الرئيس، وهو ما أثار غضبا كامنا لدى ولد الغزواني سرعانما ظهر بعد ذلك قويا وواضحا عقب انتهاء مأمورية الوزير الأول.

أوضاع مضطربة

أثناء هذه الفترة ظهرت شخصية الشاب المرحوم أحمدُ ولد عبد العزيز الذي التحق بوالده قادما من بريطانيا حيث كان يدرس هنالك.

أدار المرحوم أحمدُ علاقة والده بالعالم الخارجي وتنسيق لقاءاته واتصالاته التي تركزت أساسا على المشايخ والزعامات الروحية، فاتصل مرارا بالشيخ محمد الحسن ولد الددو طالبا الرقية والدعاء بعد أن زار الشيخ الددو الرئيس في المستشفى ليلة إصابته كما اتصل الشاب أحمدو بالشيخ علي الرضا ولد محمد ناجي والشيخ محمد الزين ولد القاسم.

 ظهور الرئيس السابق مع وزير الخارجية الفرنسي

بعد فترة من العلاج ظهر الرئيس في صورة أرسلها نجله إلى وكالة أنباء موريتانية حاول كثيرون نفيها والقول إنها مفبركة إلا أن صوره بعدها في الإليزيه رفقة الرئيس الفرنسي أكدتها حيث ظهر شاحبا لكنه كان يسير على قدميه.

 وأخيرا عاد الرئيس إلى البلد واستقبل استقبالا كبيرا على طول طريق المطار القديم حتي القصر الرئاسي وطويت أزمة الرصاصة وأسئلتها وبدأت مرحلة جديدة، وإن ظل خلال الفترات الماضية يتلقى العلاج في مستشفيات عديدة آخرها كان في ألمانيا قبل أشهر.

أزمة المعارضة

وجدت المعارضة نفسها في وضعية مضطربة فالمظهر الأخلاقي الذي ظهرت به في البداية تضامنا مع الرئيس المصاب سرعان ما نسفته بالمظاهرات والأنشطة المنددة بالنظام الاستبدادي وفق تعبير قادتها، ومطالبة بكشف الملف الصحي للرئيس العاجز عن أداء المهام الدستورية وفق قسم رئيس تواصل محمد جميل منصور.

كانت المعلومات الخاطئة والموجهة إلى أقصى درجة تنحدر من الأمن الفرنسي باتجاه الأمن الموريتاني الذي يمرر المعلومة بهدوء عبر قنواته في منسقية المعارضة، وسرعان ما بدأت صقور المعارضة تحوم حول القصر الرئاسي متأكدة أن الرئيس عاجز عن مهامه وأن فرصة الانتخابات الرئاسية عادت على طبق من رصاص.

ورغم كل ذلك فقد ظل الهدوء سيد الموقف في العاصمة وإن تم الحديث عن تحرك للدبابات خلال إحدى الليالي دون الحسم بسببه كما شاع الحديث عن عدم امتثال أوامر قائد الجيش الرئيس الحالي من طرف قائد الأمن الرئيس وقائد القوات العسكرية .

من أطلق النار على الرئيس ؟؟؟

حسمت السلطات الرسمية بسرعة روايتها للحادثة، وظهر على التفلزيون الرسمي عسكري شاب رفقة مدير الاتصال بقيادة الأركان يتحدث عن الطريقة التي أصاب بها الرئيس حيث "دك ركبته" في الأرض وأطلق سربا من الرصاص على السيارة المسرعة، والتي تجاوزته دون أن تتوقف قائلا إنه صوب الرصاص تجاه العجلة الخلفية للسيارة قبل أن تستقر رصاصات منها في جسد الرئيس ومن الأمام.

شككت أطراف واسعة من الموريتانيين في الرواية الرسمية، فيما حصل "الراوي" على منحة عسكرية خارج موريتانيا ليواصل تدريباته العسكرية، لكن ثمة روايات عديدة أخرى أبرزها أن ضابطا من الجيش هو من أطلق النار على الرئيس في القصر الرئاسي وأن الضابط المذكور تمت تصفيته فورا، غير أن هذه الرواية ضعيفة جدا حيث لا أحد يعرف اسم الضابط المذكور ولا هويته، وأن الإصابة كانت بسكين حاد وكانت في منزل خصوصي قرب المستشفى العسكري بالكصر وأن هنالك سيدة متهمة بالتورط في القضية وقد استطاعت مغادرة موريتانيا دون أن تعرف تفاصيل أخرى عن السيدة ولا من يقف وراءها.

كما تحدثت مصادر أخري عن دور لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو في الرصاصة الصديقة وأن الرئيس السابق وخلال وفد وساطة من الأقارب المشتركين بينه وبوعماتو قال لهم لا تعرفون خبره كان يريد قتلي" ما عندكم أخبارو  هو كان لاه يكتلنِ" .

كما تحدثت مصادر أخري عن قصة أخلاقية وذكرت بالاسم اسما حركيا لسيدة معروفة في موريتانيا وحددت منزلا في لكصر أنه كان مكان العملية إلا أن أيا من تلك الفرضيات لم تصمد أمام رواية النظام الرسمية والتي وإن بدت مرتبكة في المبني والحبك لم يظهر ما يعارضها بقوة .

لا تتورع مصادر مقربة من النظام الموريتاني عن توجيه الاتهام إلى جهات معارضة من بينها رجال أعمال يقيمون خارج موريتانيا بمحاولة الاغتيال المذكورة، دون أن تقدم هي الأخرى أي دليل منطقي على الاتهام المذكور.

الرصاصة من جديد

بعد سنوات من عملية اطويله عادت القصة من جديد بعد تسريب فيديو لشاب ذكره صاحب الرصاصة أنه كان برفقته خلال العملية مفصلا اسمه وثيابه التي يرتديها حيث نفي الشاب القصة من أولها إلى آخرها قائلا إنهما لم يطلقا نارا ولم يريا سيارة تمر وأن كلما في الأمر أنه تم الاتصال بهما وتم تلقين الحكاية لهما لتمثيلها أمام وفد من قادة الأركان جاء لزيارة مكان العملية وأنه سمع مرافقه يروي حكاية لم يحدث منها أي شيء .

تم سجن العسكري الشاب وحكم عليه وقيل إنه قال كل ذلك بإيعاز من بوعماتو ورئيس سابق والشيخ محمد ولد غده في صراعهما مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز .

تبقى ثمة مؤشرات أخرى، فبعد عودة الرئيس محمد ولد عبد العزيز مباشرة من المشفى الباريسي بدأت حملة التصفية القوية ضد أموال وممتلكات رجل الأعمال بوعماتو حيث أغلق بنكه واعتقل مديره فيما توجهت إجراءات أخرى متعددة ضد المملكة المالية التي بناها بوعماتو خلال سنوات ولد الطايع وتعززت خلال السنوات الأولى من حكم ولد عبد العزيز.

ويستمر اللغز

وتوالت سنوات قليلة على "الرصاصة الصديقة" دون أن ينكشف اللغز الحقيقي ودون أن تظهر الوثائق والأدلة الحقيقية حول من أطلق الرصاص على الرئيس ولماذا أطلق الرصاصة وفي أي مكان أطلقها وهل ضحيتها كان الرئيس وحده أم هناك ضحايا لم يعلن عنهم بعد

وإلى حين ذلك يشتغل اللغويون بإعراب رصاصة صديقة هل كانت صديقة نعتا أم مضافا إليه ما قبله من الرصاص.

ما هو مؤكد أن الرئيس الحالي وجهات قليلة في الدولة يمتلكون الأدلة الكافية حول تفاصيلها وأبعادها وهو ما يجعل البعض يتحدث عن إمكانية فتح ملفها من جديد خاصة في ظل الخلافات القوية بين الرئيس السابق والحالي والذي يقال إنه بلغ مرحلة حاسمة تقول مصادر إن أبرز تجلياتها إجابة الرئيس الحالي لبعض الوساطات بينه وسلفه حيث اختصر الإجابة لهم قائلا: كنا أصدقاء لعقود لكن كل ذلك انتهي بما كان يخطط له محمد ليلة الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي "فهل وصل الخلاف بين السابق والحالي مرحلة كشف المستور ؟؟

 

نقلا عن موقع "السراج"